جارٍ تحميل التاريخ...

الحديث النبوي الشريف – فضل نفع المسلمين وخدمتهم – ذ. توفيق الغلبزوري

الحديث النبوي الشريف – فضل نفع المسلمين وخدمتهم – ذ. توفيق الغلبزوري

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه وكل من اهتدى بهداه.

عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عليه في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ له به طَرِيقًا إلى الجَنَّةِ، وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ؛ إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ، وَمَن بَطَّأَ به عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ به نَسَبُهُ».

تخريج الحديث:

أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والاستغفار، باب الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، رقم الحديث: 2699.

منزلة الحديث:

 هذا الحديث منزلته عظيمة؛ لِمَا فيه من البِشارة والنِّذَارة التي تدفع المؤمن للعمل في سبيل خدمة الناس ونفعهم، ومجالسة أهل العلم والقرآن، وذم من يتكئون على الأنساب ويُهملون الأعمال([1]).

 قال ابن دقيق العيد رحمه الله: “هذا حديث عظيم، جامع لأنواع من العلوم والقواعد والآداب، فيه فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما يتيسر؛ من علم، أو مال، أو معاونة، أو إشارة بمصلحة، أو نصيحة، أو غير ذلك([2])”.

غريب الحديث:

نفَّس: أي فرَّج عنه.

كربة: شدة عظيمة.

يسَّر على معسر: المعسر من أثقلته الديون وعجز عن وفائها، والتيسير عليه مساعدته على إبراء ذمته من تلك الديون.

يسر الله عليه: سهَّل أموره وشؤونه.

سلك: مشى أو أخذ بالأسباب.

يلتمس: يطلب ويبتغي.

السكينة: الوقار والتأني.

غشيتهم الرحمة: تعلوهم الرحمة.

حفَّتْهم الملائكة: أي طافت بهم، ودارت حولهم.

شرح الحديث:

«من نفَّس»؛ أي: فرَّج وأزال وكشف، «عن مؤمنٍ كربةً»؛ أي: شدة ومصيبة، «مِن كرب الدنيا» أي بعضها، «فس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة»، مجازاة ومكافأة له على فعله من جنسه، قال النووي رحمه الله: “فيه دليل على استحباب القرض، وعلى استحباب خلاص الأسير من أيدي الكفار بمال يعطيه، وعلى تخليص المسلم من أيدي الظلمة، وخلاصه من السجن([3])”.

«ومن يسَّر على معسرٍ»؛ أي: سهَّل عليه وأزال عسرته، «يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة»، مجازاة ومكافأة له بجنس عمله.

«ومن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة»؛ أي: من ستر مسلمًا اطلع منه على ما لا ينبغي إظهاره من الزلات والعثرات، فإنه مأجور بستره في الدنيا والآخرة، وليس من لوازم الستر عدم التغيير، بل يغير ويستر، وهذا في حق مَن لا يُعرَف بالفساد والتمادي في الطغيان، وأما من عُرِف بذلك فإنه لا يستحب الستر عليه، بل يرفع أمره إلى مَن له الولاية، إذا لم يخَفْ من ذلك مفسدة؛ وذلك لأن الستر عليه يغريه على الفساد، ويجرئه على أذية العباد، ويجرئ غيره من أهل الشر والعناد.

وَمِن سِتْرِ المسلمِ عدمُ تتبع عوراته، بل إن تتبع عورات المسلمين علامة من علامات النفاق، ودليل على أن الإيمان لم يستقر في قلب ذلك الإنسان الذي همه أن ينقب عن مساوئ الناس ليعلنها بين الملأ، وقد روي عن بعض السلف أنه قال: أدركت قومًا لم يكن لهم عيوب، فذكروا عيوب الناس، فذكر الناس لهم عيوبًا، وأدركت قومًا كانت لهم عيوب، فكفُّوا عن عيوب الناس، فنُسِيت عيوبهم.

 «والله في عون العبد» أي: معينٌ له إعانة كاملة، «ما كان العبد في عون أخيه» في الدِّين، والإعانة تكون بالقلب والبدن والمال.

«ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة»؛ أي: من مشى إلى تحصيل علمٍ شرعيٍ قاصدًا به وجه الله تعالى، جازاه الله عليه بأن يوصله إلى الجنة مسلمًا مكرَمًا، «يلتمس» معناه: يطلب، قال الإمام أبو العباس القرطبي في (الْمُفْهِم): “وهو حض وترغيب في الرحلة في طلب العلم، والاجتهاد في تَحْصِيلِه”([4]).

«وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشِيتهم الرحمة، وحفَّتْهم الملائكة، وذكَرهم الله فيمن عنده»، قال ابن رجب: “هذا يدل على استحباب الجلوس في المساجد لتلاوة القرآن ومدارسته، وهذا إن حمل على تعلُّم القرآن وتعليمه فلا خلاف في استحبابه، وفي صحيح البخاري عن عثمان عن النبي ﷺ قال: «خيركم مَن تعلم القرآن وعلمه»([5])، وإن حُمِل على ما هو أعم من ذلك دخل فيه الاجتماع في المساجد على دراسة القرآن مطلقًا، وكان النبي ﷺ أحيانًا يأمر مَن يقرأ القرآنَ ليسمَعَ قراءته، كما أمر ابن مسعود أن يقرأ عليه، وقال: «إني أحب أن أسمعه من غيري»([6])، وكان عمر يأمر من يقرأ عليه وعلى أصحابه وهم يستمعون، فتارةً يأمر أبا موسى، وتارةً يأمر عقبة بن عامر رضي الله عنهما”([7]).

وقد أخبر النبي ﷺ أن جزاء الذين يجلسون في بيت الله يتدارسون كتاب الله «إلا نزلت عليهم السكينة»؛ أي: الطمأنينة والوقار، «وغشِيتهم الرحمة»؛ أي: غطتهم وعمَّتهم، «وحفَّتهم الملائكة»؛ أي: أحاطت بهم ملائكة الرحمة، «وذكرهم الله فيمن عنده»؛ أي: أثنى عليهم في المقرَّبين عنده، وكفى شرفًا ذِكرُ اللهِ العبدَ في الملأ الأعلى.

«ومَن بطَّأ به عملُه، لم يُسرِعْ به نسَبُه» مَن كان عملُه ناقصًا لم يُلحِقه بمرتبة أصحاب الأعمال، فينبغي ألا يتكل على شرف النسب وفضيلة الآباء ويقصر في العمل، ويزعم أنه مغفور له ومعفو عنه بنسبه فحسب؛ بل لابد من العمل؛ إذ الإيمان مقرون بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل.

الفوائد من الحديث:

  • الترغيب في تنفيس الكرب عن المؤمنين، وخدمتهم وتقديم النفع والعون لهم.
  • الإشارة إلى القيامة، وأنها ذات كرب.
  • الترغيب في ستر المسلم الذي لا يُعرَف بالفساد ولا يُجاهِر به.
  • الحث على الاهتمام بكتاب الله تعالى اهتماما بالغا، وإيلائه عنايةً فائقة؛ حفظا وفهما ومدارسة.
  • كما فيه فضل الجلوس في بيوت الله؛ لمدارسة العلم.
  • وفيه أن الجزاء من جنس العمل.
  • فيه الحث على طلب العلم والرحلة إليه؛ لقوله ﷺ: «ومَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا».
  • دل الحديث على فضل الذِّكْر؛ وعلى أن مَن ذكَر الله ذكَره الله في الملأ الأعلى.

([1]) الإلمام بأحاديث الأحكام، لابن دقيق العيد ص 446.

([2]) شرح الأربعين النووية في الأحاديث الصحيحة النبوية، لابن دقيق العيد ص126، دار ابن حزم، بيروت، ط.1، 1417هـ-1997م، وشرح مسلم للنووي 17/ 18 حديث 2699.

([3]) شرح الأربعين النووية للنووي.

([4]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي (6/ 685 ح 2592)، دار ابن كثير، دمشق-بيروت، ط2، 1420هـ-1999م، تحقيق: جماعة من المحققين.

 ([5])أخرجه البخاري في صحيحه، رقم الحديث: 5027.

([6]) أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب البكاء عند قراءة القرآن، رقم 5056. ومسلم، باب فضل استماع القرآن، رقم الحديث: 800

([7]) جامع العلوم والحكم شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم، لابن رجب، ج3/ص1020، تحقيق: الدكتور محمد الأحمدي أبو النور، دار السلام، القاهرة، ط2، 1424هـ-2004.


تصنيفات

At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.

Melbourne, Australia
(Sat - Thursday)
(10am - 05 pm)